عبر الباب الفولاذي المزخرف بشعار نبالة، مرت عربة بيضاء بزخرفات ذهبية تحمل شعار شركة فرناستي. محاطة بأربع فرسان مدرعين وتجرها أربع خيول بيضاء. وخلفها عربة أخرى تبدو أقل شأنا.

تحركت في حركة دائرية حول النافورة في منتصف الساحة الأمامية للقصر، ثم تقدمت كلتا العربتين نحو الباب الكبير والفاخر للقصر وتوقفتا هناك.

أمام الباب وقف عدد من الخدم في خطين متقابلين تاركين بينهم مساحة حيث وقفت ثلاث شخصيات.

في الخلف وقف الإثنان على جانبي الشخص الذي بدى كسيدهم. كان أحدهما رجلا عجوزا يبدو كرئيس الخدم، في حين الآخر كانت سيدة بدت عجوزا هي الأخرى مع ملابس خادمة بدت أكثر رسمية، أعطت إحساس أنها رئيسة الخدم كالرجل العجوز جانبها.

ومع ذلك على خلاف المتوقع من كان سيدهما لم يكن سوى سيدة بدت أنيقة وكريمة.

كانت ترتدي فستانا أبيض شتويا بدا عاديا، مع غطاء على كتفيها. جمعت شعرها البني في كرة، مع عينيها الهادئتين بذات اللون، ووجها الجميل بتعبير دافئ، أعطت شعور الأم الحنون بمجرد وقوفها هناك.

بدت في الأربعينات من عمرها، ولكن الخصل البيضاء القليلة في شعرها البني لم تخفي طول عمرها بشكل جيد على الرغم من وجهها الذي أكد على جمالها عندما كانت أصغر سنا.

كما توقفت العربة، فتح خادمه الباب وخرج وينستون من هناك بتعبير وابتسامة هادئة، مع رؤيته انحنى جميع الخدم قليلا كاحترام وترحيب.

بعد كل شيى حتى لو لم يكن وينستون ارستقراطيا، فلا يزال صاحب اكبر واعرق شركة تجارية، وفوق كل ذلك كونه سليلا لسيد التجارة والذي اعترف به الملك الأسطوري، مكانته تتحدى بسهولة مكانة الماركيز، حتى على الملك أن يظهر احتراما خاصا له.

خلف وينستون خرج جول رفقة بيتا وألفا، تقدم وينستون لتحية الماركيزة، فأمسك يدها وقبلها كتحية. وتحدث بأسلوب مهذب يليق بنبيل.

"الماركيزة بيرثيا دي والتونيا، أتشرف بلقائك من جديد سيدتي، آمل أنك كنت بخير".

" وينستون فرناستي، أهلا بك في مقاطعة والتونيا. شكرا لسؤالك، أنا بخير. كيف كان عملك؟".

وبابتسامة دافئة ردت بيرثيا واستهلت بالحديث مع وينستون.

في الخلف، اقترب ألفا من جول وهمس في أذنه.

"هل هي الماركيزة؟ ألا يجب على من يحصل على لقب النبالة أن يكون رجلا؟".

-" ليس بالضرورة، طالما أنها قدمت من الانجازات ما يكفي فهي جديرة".

كما استمر الهمس بين جول وألفا الذي يسأل، فقد جذبوا انتباه الخدم.

" مهلا، انظري هناك! ذلك الفتى ذو الشعر الأبيض".

-" صحيح، من يكون؟ لم أره مع السيد وينستون من قبل".

-" هل يعقل أن يكون ابنه؟".

-" مستحيل! هذا الفتى يبدو مراهقا، في حين السيد وينستون ما يزال شابا، ربما هو مجرد خادم جديد وظفه".

-" ذلك غير معقول أيضا، ملابسه والهالة من حوله توحي بأنه نبيل".

-" صحيح، إذن من يكون؟".

همسات الخادمات وصلت آذان المركيزة، فحولت نظرها خلف وينستون حيث وقف جول. لاحظ وينستون ذلك فتراجع ومد يده نحو جول لينبهه ويبادر بتعريفه.

" سيدتي الماركيزة، أعرفك على جوليان، إنه ابن أحد معارفي".

تحت أعين الجميع، تقدم جول وأمسك يد بيرثيا وقبل ظهر يدها كما تحدث.

" تشرفت بمقابلتك سيدتي المركيزة أدعى جوليان".

واختتم بابتسامة هادئة وجميلة.

عدى عن معارف جول، كانت أعين الجميع منفتحة على مصرعيها، سواءا الخدم، أو حتى بيرثيا. بالأخص الماركيزة تحجرت مكانها.

ابتسم وينستون بنظرة مدركة، ظلت تعابير بيتا هادئة، وألفا كان مستغربا من ردة فعل الآخرين. الخادمات مصدومات وأيدي بعضهن على أفواههن. الماركيزة ما تزال متحجرة، وجول يلمحها بنظرة استغراب.

أول من تخلص من الصدمة كان رئيس الخدم، فأطلق سعالا ليفيق الماركيزة.

" أحم، سيدتي!".

-" أه؟ آه...أحم...أحم".

عادت المركيزة لوعيها، لكنها لم تتحدث كثيرا، بدلا من ذلك استمرت في التحديق في وجه جول، حتى انتابه التوتر.

" أمم... سيدة والتونيا؟".

تحركت يدا الماركيزة فجأة وأمسكت وجه جول، وحركته بينما تتفحصه بنظرة جادة. تفاجأ الكل هذه المرة من فعل المركيزة، فتقدم رئيس الخدم لمحاولة إيقافها وفهم ما حدث، لكنها تجاهلته ببساطة واستمرت ، ثم توقفت فجأة ووضعت يدها تحت ذقنها تفكر.

" همم.. كما توقعت، أنت فعلا تشبهه. يا فتى! هل تعرف ماركوس فون فيلدمينت؟".

-" أه؟ أبي؟".

فجأة تخلت المركيزة عن موقف الأناقة وتحدثت بطريقة الشوارع، مما دفع جول للتخلي عن دفاعه للحظة ورد بعفوية.

-" مذا؟ أبي؟!".

*" أبي؟".

ردت المركيزة كذلك بعفوية وفعل الخدم جميعا. أدرك جول خطأه وحك رأسه.

' آه..أخطأت. أعتقد أن الأمر بخير، لاتبدو شخصا سيئا'.

فكر جول بهدوء ثم تابع مخاطبا المركيزة والآخرين.

" أعتذر منك سيدة والتونيا، رجاءا اسمحي لي بإعادة التعريف عن نفسي".

رفع يده اليمنى نحو صدره ووضعها في جانب قلبه، بينما يده الأخرى خلف ظهره. وحرك قدمه اليمنى للخلف واحنى كتفيه قليلا. بحركته البسيطة هذه تحولت الهالة حوله فجأة وأعطت طابعا من الأناقة.

" أنا جوليان فون فيلدمينت، الأبن الثالث لعائلة الدوق فيلدمينت من مملكة دي بورغو.. تشرفت بعرفتك، سيدة والتونيا".

أمام ابتسامة جول الهادئة، كانت تعابير المركيزة مصدومة بشدة.

*' إيييييييه...ابن الدوق من مملكة دي بورغوووو!!!'.

كانت هذه الصرخة تتردد في أذهان جميع الخدم.

***

" لذا، فأنت تقول لي أنك ابن ذلك الأحمق؟".

بينما المركيزة تدلك صدغيها بشدة، تحدثت بنبرة شارعية متعبة.

" نعم".

الأسوء من ذلك هو رد جول عليها بتعبير هادئ تماما بينما يرتشف من فنجان الشاي في يده. اعترف تماما بحقيقة اللقب الذي أطلقته المركيزة على والده.

كانوا الثلاثة -جول، المركيزة ووينستون- داخل ما تبدو قاعة الضيوف، جلس الثلاثة مقابل بعضهم على الأرائك وبينهم طاولة مليئة بمختلف المرطبات والحلويات، مع طقم شاي فاخر، وكل واحد منهم أمامه فنجان شاي. ووقفت الخادمات مستعدات لأي أوامر في الجوانب.

وكما هو واضح، بدا أن الماركيزة على دراية جيدة بوالد جول لدرجة أنها تدعو دوق واحدة من أقوى الممالك 'بالأحمق'.

لم يتدخل وينستون في المحادثة وراقب من الجانب بينما يرتشف الشاي.

ارتشف جول من فنجانه للمرة الأخيرة قبل أن يضعه ويمسح بالمنديل فمه بأسلوب راقي، ثم سأل.

"يبدو أن الماركيزة على دراية بوالدي جيدا، هل لي أن أسأل عن نوع العلاقة بينكما؟"

رفعت الماركيزة يدها وأشارت للخادمات لوضع الحلويات في الأطباق أمامهم ثم أجابت.

"حسنا...إنها قصة معقدة نوعا ما".

من جانب جول؛ اقتربت خادمة ووضعت قطعة من كعك مزين بالفراولة على طبق وكانت ستضع قطعة أخرى حتى رفع جول كفه لها إشارة للتوقف. فوضعت الصحن أمامه وتراجعت لمكانها.

التقط جول شوكة رفيعة ذات ثلاث رؤوس وباشر بالأكل وهو يتابع المحادثة.

" آمل أن لا تكون علاقة عدائية"

-" لا، لا تقلق إنها ليست كذلك. على أي حال مالذي يفعله إبن دوق من المملكة التي تقع في أقصى الغرب في هذا المكان؟".

-" حسنا...سأعيد نفس جوابك؛ إنها قصة معقدة بشدة".

-" أرى... لن أطلب المزيد إذن. وينستون يبدو أنك ستباشر رحلتك الآن".

عندما أوضح جول أنه لن يتابع موضوع أسبابه أكثر من ذلك، فهمت الماركيزة وحولت محادثتها نحو وينستون.

تفاجأ وينستون عندما تحول الحديث نحوه لكنه لم يظهر الأمر في وجهه. أجاب بنبرة هادئة وهو يضع كوب الشاي على الطاولة أمامه.

"صحيح، رغم أنها كانت سريعة"

-" بالحديث عن ذلك... أنت مبكر بشهر، هل حدث شيء؟"

تنهد وينستون وتابع بتعبير متعب.

" لقد تلقيت ما يحدث في العاصمة، صحيح؟".

-" هذا أكيد، إن الأمر متعلق بمستقبل البلد".

-" صحيح... في الواقع الموضوع صعب".

أومأ وينستون وتحدث بنبرة إشارة. فهمت الماركيزة وأومأت للخادمات حتى يخرجن.

بعد خروج الخادمات، رفع جول فجأة يده وطقطق أصابعه.

تفاجأ الآخران من فعلته فأوضح بوجه هادئ.

" لقد وضعت حاجز صوت، لايجب أن نرخي دفاعنا فالآذان في كل مكان"

أومأ وينستون بنبرة تفهم في حين تفاجأت الماركيزة بشدة.

حاجز صوت؟ قد يبدو الأمر عاديا لكن الماركيزة بصفتها ساحرة فهي تدرك كم من الصعب وضع هذا النوع من الحواجز دون تدريب مناسب، بعبارة 'تدريب مناسب' فهي تعني عدة سنوات من الممارسة.

لكن جول بدا في الخامسة عشر من عمره فقط. وبوضع عامل العبقرية الخارقة، حتى العبقرية لا تفسر إلقاء تعويذة حاجز دون ترتيل. حتى إنها شكت في مصداقية قوله، لكن الماركيزة مازالت تستشعر ترددات المانا حول الغرفة والتي تثبت صحة قوله.

" ماركيزة؟".

إنقطع حبل تفكير الماركيزة مع نداء وينستون، فالتفتت ناحيته تطلب منه المتابعة.

أومأ وينستون وتابع عندما تأكد أن الماركيزة تصغي إليه.

" صحيح أن وفاة الملك كانت متوقعة، مع ذلك كانت مثيرة للشبهات".

-" شبهات؟".

-" أجل، الملك كان في الستينات من عمره فقط صحيح؟".

أومأت الماركيزة بتعبير محير، وسأل وينستون.

" دعيني أسألك شيئا، لم تقابل الماركيزة الملك منذ بداية مرضه صحيح؟".

-" صحيح، في الواقع حدث ذلك قبل أن يتم الإعلان عن مرضه".

-" في الحقيقة إكتشفت شيئا مهما!".

تحولت نبرة وينستون الجادة لتصير أكثر خطورة، ما جعل الماركيزة والتونيا تركز مع كلماته جيدا.

"كما تعلمين تم إعتبار مرضه غريبا، وأكثر من ذلك بما أن أعراضه لم تر من قبل... فقد اعتبر أنه ظهر لأول مرة عنده".

" إذا اعتبرناه مرضا، فهو بالتأكيد ظهر لأول مرة".

تابع جول بهدوء بعد وينستون وهو يرتشف شايه.

" 'إذا اعتبرناه مرضا' تقول".

تمتمت الماركيزة بنضرة جادة وهي تضع يدها على ذقنها لتفكر.

ابتسم جول بشكل خافت وهو يراها.

" أفهم ما تقصد، لكن هذا احتمال كنا قد وضعناه بالفعل وأثبت التحقيق عدم وجود أي تسمم".

- " التحقيق؟ إعذري فضاضتي لكن...التحقيق الذي تحدثتي عنه، هل قمت به بنفسك؟".

-" أنت لا تقصد...؟"

أمام سؤال الماركيزة، اكتفى جول بالابتسام بشكل هادف.

كوووونغ

حدث صوت ثقيل فجأة كما اندلعت هالة قاتلة من الماركيزة.

كانت الهالة موجهة بشكل خاص نحو جول، لكن وينستون لم ينجو من الضغط كما أظهر وجهه علامات الإرهاق بسرعة وبدا كما لو أنه سيغمى عليه في أي وقت.

بالمقابل لم يكسر جول قطرة عرق واحدة، بل تصرف بارتياح وارتشف من الشاي بهدوء.

من الداخل، كان جول متفاجئا من قدرة الماركيزة وهي امرأة تبدو في سن والده بإظهار هكذا هالة.

لا شك أن خبرة سنيم طويلة في ساحات المعركة لن تذهب أدراج الرياح.

" دعني أحذرك بالنظر لعلاقتي مع والدك، بصفتك دخيلا، وابن نبيل من بلد آخر بامكاني اعتبار كلماتك على أنها تمس بأمن المملكة، بإمكاني قتلك هنا والآن دون أن يمكلك أحد القوة على منعي. تحدث، ماهو دليلك؟".

احدثت الماركيزة بكبرياء عالي وأناقة نبيل. وفي داخلها تخفي تفاجؤها من صمود جول أمام هالتها، بل وتصرفه كما لو أن هالتها مجرد نسمة هواء لطيفة.

حرك جول هالته بهدوء ليخفف الإختناق عن وينستون، الذي استرجعت بشرته

ببطئ.

" أنا لا أتحدث بصفتي الإبن الثالث للدوق فيلدمينت من مملكة دي بورغو".

تحدث جول بهدوء بينما تظهر بطاقة بلاتينية اللون في يده.

" أنا أتحدث بصفتي مغامرا منتمي لنقابة المغامرة".

تابع وهو يعطي البطاقة للماركيزة التي أطلقت ضغطها.

تفاجأت الماركيزة وهي تفحص البطاقة ثم تلقي نظرة نحو جول، الذي أومأ نحوها. ثم حركت نظرتها نحو وينستون الذي بادلها بنظرة جادة بعد استعادة نفسه.

" مستحيل...انت تقصد انه حقيقي؟!...".

تمسك جول بالوجه الهادئ والرواقي. وعلى خلافه وضعت الماركيزة وجها مشوها بالدهشة والصدمة، ووضع وينستون الوجه الجاد الذي لم يتخل عنه طوال الوقت.

"... خيانة؟!".

قالت الماركيزة الكلمة الأسوء التي قد تظهر في تاريخ البلدان والممالك.

-----

إنتهى

لن أعتذر على التوقف المفاجئ

فقد تعطلت التابلت خاصتي وحذفت جميع الفصول التي كتبتها، وكلما أعدت كتابة واحد حذف مجددا قبل نسخه

لقد استعرت هاتف قريبتي لذا تمكنت من نشر الفصل.

حتى أتخلص من فقري وأشتري هاتفا آخر لا أضن أنني سأتمكن من النشر مجددا

( إلا إذا أعارني أحدهم هاتف)

إلى في فرصة أخرى

2022/05/01 · 33 مشاهدة · 1730 كلمة
Abir Bell
نادي الروايات - 2024